أعلام تكانت (4).. الشيخ سيدي محمد بن محمد الصغير بن انبوجه

الشيخ سيدي محمد بن محمد الصغير بن انبوجه، فقيه متمكن، وقاضٍ، وشاعر، وأديب من أعلام مدينة تيشيت التاريخية.

 وُلد في مطلع القرن الثالث عشر الهجري في تيشيت، وعاش جلّ حياته فيها، إلى أن توفي بها سنة 1275هـ الموافق 1858م.

 

النشأة والتحصيل العلمي

 

نشأ الشيخ في بيئة علمية صرفة، فحفظ القرآن الكريم صغيرًا، ودرس علومه، ثم تلقى مختلف العلوم الإسلامية والعربية على كبار علماء عصره، من أبرزهم:
- والده محمد الصغير.
- المختار أسْرِي بن حمى الله بن بوزو الحاجي.
- أحمد بن عبدي بن الحاج أحمد العلوي.
- محمذن فال بن امباركي اليدمسي.
- الطالب أحمد بن اطوير الجنة الحاجي.

كما أخذ الطريقة التيجانية عن الشيخ بانمُّ بن حم ختار الحاجي الواداني، وكانت تربطه علاقة روحية متينة بالشيخ أحمدُّ بن الشيخ محمد الحافظ العلوي، كما أخذ التصوف أيضًا عن الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيد المختار الكنتي.

 

النشاط العلمي والوظيفي

 

زاوج الشيخ سيدي محمد بين التدريس والإفتاء والتأليف، وتولى خطة القضاء في مدينة تيشيت في وقت مبكر، وبقي بها قاضياً حتى وفاته. وكانت له رحلات علمية، أهمها سفره إلى السودان الغربي (مالي) حيث التقى المجاهد الحاج عمر الفوتي.

 

مؤلفاته

 

ترك الشيخ تراثًا علميًا متنوعًا بين الفقه، والتفسير، والنحو، والتصوف، من أبرز مؤلفاته:
- "الركب المنتصر الجليل في آثار من أنكر تقليد الشيخ خليل".
- "تعليق على مختصر خليل".
- "الإصابة في وجوب قتل أهل الحرابة".
- "النفحة القدسية" (نظم منهاج العابدين للغزالي).
- "الجيش الكفيل بأخذ الثأر على من سل سيف الإنكار على الشيخ التجاني".
- "سرية الجيش" (في التصوف).
- "البحر المحيط في علوم القرآن".
- "طرة على منثور ابن آجروم" (في النحو).
- "ضالة الأديب" (ديوان شعر).
- "نظم حظوظ العبد من أسماء الله الحسنى".
- "تفسير القرآن الكريم".
- "نظم في علم الجدول".
- "مقدمة في النحو" (على غرار الأجرومية).
- "المصباح" (نظم لباب الأدوات في مغني اللبيب).
- "نظم إعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين" للشيخ زروق.
- "سيف الله على من كذب على أولياء الله".
- "نور القلب والعين في جواز بيع الغائب بالدين".
- "هداية الغاوي بما للخصم من الدعاوي".
- "تحرير الأحكام بتنقيح المقالة في حكم المكتسب تحت الإيالة".
- "الدرر المختصرة في نظم التبصرة".

 

الإنتاج الشعري

 

كان الشيخ من كبار الشعراء في عصره، وقد جمع ابنه سيد عبد الله بن سيدي محمد ديوانه، الذي اكتُشف لاحقًا وحققه الباحث أحمد ولد الحسن، ونشرته المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم سنة 1996 بعنوان: "ضالة الأديب".

يتضمن الديوان 66 نصًا في 1388 بيتًا تتنوع بين المديح، والرثاء، والهجاء، والمساجلات، والابتهالات، والإخوانيات، ويتميز شعره بجزالة اللفظ، وقوة السبك، وبعده عن التكلف.

 

مختارات شعرية

 

من قصيدة: جودي بوَصْلك (على بحر الكامل)

الحُبُّ داهيةُ النُّهى سرَّاؤهُ  
قبلَ النوى، يومَ النوى ضرَّاؤهُ  
والبَينُ سلطانٌ عزيزٌ يُختشى  
لذوي الصبابةِ مكْرُهُ ودهاؤهُ  
وحليفُ جَورٍ لا يُرَدُّ بحِيلةٍ  
مهما تصدَّرَ للقضاءِ قضاؤهُ  
جودي بوَصلكِ يا رُبابُ وعلّلي  
قلبي، فقد أعيى الأُساةَ عناؤهُ  
هذا الفؤادُ لديكِ إلا تشفّعي  
فيه رُبابُ، تقطَّعت أحشاؤهُ

من قصيدة: كل حيٍّ ضال (في رثاء سيدي عبد الله العلوي، على بحر الطويل)

ألا كلُّ حيٍّ يا أُميمةُ ضالِ  
وكلُّ جديدٍ لا محالةَ بالِ  
وكلُّ امرئٍ لا بدَّ يُرمى ولو علا  
ذُرى المجدِ عن قوسِ الردى بنِبالِ  
أرى أمَّ دَفْرٍ كلما سمحتْ لنا  
بعِلْقٍ، تجنّتْ بعدَه باغتيالِ  
فكم أعقبتْ بَسطًا يداها بقبضةٍ  
وصدَّعتا من نِسوةٍ ورجالِ

من قصيدة: طيف سُعدى (على بحر البسيط)

سرى طيفُ سُعدى حين لا طارقٌ يسري  
وطابَ كرى الخالين من حَرَجِ الصدرِ  
ووافى على شطِّ المزارِ بلفحةٍ  
أشدَّ وأدهى من ملامسةِ الجمرِ  
أطال على قلبِ المُتيَّمِ ليلةً  
من الدهرِ في ليلٍ من الهمِّ معترِّ  
طوى عن مناشيرِ الصباحِ بجُنحِها  
يدَ البسطِ حتى لا تسلّطَ للفجرِ

مصادر الترجمة:
1. أحمد بن الأمين الشنقيطي: الوسيط في تراجم أدباء شنقيط.
2. الخليل النحوي: بلاد شنقيط، المنارة والرباط.
3. الطالب محمد بن أبي بكر اليرتلي: فتح الشكور.
4. المختار بن حامد: حياة موريتانيا، الحياة الثقافية.
5. محمد المختار ولد أباه: الشعر والشعراء في موريتانيا.

 

j