تسويات أحيت الأمل في ردِّ بقية المظالم/ عثمان جدو

مما لا شك فيه أن الاستثمار الذكي يبرز من خلال تحسين ظروف الموظفين الذي يتبوأ أهميته من التأثير الإيجابي على المردودية الإنتاجية؛ التي تتكئ أساسا على الرضا الوظيفي، الذي لا ينمو إلا في بيئة عمل مريحة وآمنة ومحفزة، وكل ذلك مُعين على جودة الأداء والابتكار والإسهام المباشر والفعال لتحقيق الأهداف المرسومة بدقة وفعالية.

إن المتأمل لميدان العمل في بلادنا يدرك بجلاء التباينات الكبيرة في حدود الرعاية الضرورية لإنجاز العمل، وفي طبيعة المكافآت المرصودة لإنجاز المهام، وكذا في مستويات التقدير التي تعكسها مرآة التعامل عند التقابل أو التلاقي أو عند لطيف الاحتكاك؛ وتكاد تكون هذه المنطلقات تشكل النواة المشتركة، ونقطة الدوران المركزية التي يمر بها أو يلتقي عندها الجميع؛ مِنْ مؤثرين في ميدان العمل، ومَنْ كان لهم تبع، ويشترك في ذلك إلى حد كبير القطاع العام والقطاع الخاص؛ وكأن لسان الحال يثبت أن المهابة تقترن بحيازة كثير من الدراهم، وأن النفوذ يتهادى خلف غبار المال الذي هو صاحب السيادة المطلقة على الأعمال.. وقديما قال أبو العيناء: من كان يملك درهمين تعلمت - شفتاه أنواع الكلام فقالا/ وتقدم الفصحاء فاستمعوا له – ورأيته بين الورى مختالا.

ولكي لا نتجاوز حد تشخيص الواقع إلى حدود المبالغة أو نصل شفير التشاؤم فسنقول بكل واقعية وإنصاف أن ما ذهبنا إليه آنفا كان هو السمة الغالبة والصبغة الطاغيةلعقود وسنوات خلت من عمر الجمهورية الإسلامية الموريتانية؛ دون أن نغفل عن التحسينات الكبيرة التي بدأت تطرأ على هذا الميدان، ميدان العمل والوظيفة والتشغيل، فانتقلنا من الظلم الذي لا رادَّ له إلى إنصاف أصحاب الحقوق وردِّ المظالم؛ وليس آخر ذلك تسوية وضعية أعداد كبيرة من العمال في مجالات حيوية وهامة جدا، ظلت لسنوات طويلة تعاني الإهمال والتقصير وتراكم الظلم؛ وطبعا مازالت هناك مجالات أخرى، وفئات بعينها لم تُنفضعنها غبرة الظلم، ولم تنزاح عنها قترة التغافل والنسيان.

قبل سنوات تعرض أحد أشهر الشخصيات الإعلامية للظلم البين، ثم الفصل التعسفي وهذا ما أثبتته فيما بعد الأحكام القضائية المتتالية؛ لكن سطوة النفوذ منعته من الوصول إلى حقه، والولوج إلى مستحقاته، مضى بذلك سنوات حتى تغيرالمدير الآمر بالصرف وانصرفت معه سلطة آمره بتضييع الحق ومنع المستحق عن صاحبه؛ لا لشيء له صلة مباشرة بالعمل الذي يُولد الأحقية بنوال الحقوق، وإنما لردة فعل مشبعة بالإفراط في استغلال السلطة ضد كل مخالف للرأي سواء كان مُؤدَّى ذلك خطأ أو نسياناً أو خلافا لذلك، والأمثلة في مجالات أخرى كقطاع العدالة مثلا؛ قائمة، شاهدة، فلقد طال الظلم في الفترات الماضية القضاة، وغيرهم من المدنيين والعسكريين، وقد تكون لذلك مسوغاته عند البعض، لكنها مع التحقق والتدقيق لا توجد خِلوًا من الاستبداد الشخصي؛ المشوب دوما بنزعة نزوات المتسلط على من هم دونه جهدا ومقدرة، والحمد لله بدأت هذه الظاهرة في انحسار خلال السنوات القليلة الماضية.

إن ما شُرع فيه من تسوية نهائية لوضعية عمال شركة الكهرباء الذين تجاوز عددهم 880 عاملا؛ رغم معاناتهم لعقود يؤكد أن هناك إرادة جادة، وصدقا في النيات لدى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من أجل ردِّ المظالم، وتمكين المستحقين من حقوقهم الضائعة، وهذه الحالة تنطبق مائة بالمائة على المتعاونين في حقل الإعلام إذ بدأت التسوية النهائية لقضيتهم التي امتدت معاناتهم من عدم تسويتها وضياع حقوقهم في الماضي لزمن طويل، تعاقبت عليه إدارات، وتبدلت حكومات، وتغيرت قيادات وسُلطات، وطبعا في النهاية السارة لهذه الملفات الكبيرة المشتملة على أعداد كبيرة من الموظفين ما يذكي جذوة الإنصاف عند آخرين، نذكر منهم استئناسا؛ بعض عمال قطاع التعليم، فمثلا يحتاج ملف مقدمي خدمات التعليم إلى التسوية النهائية، وحل كل المشكلات المرتبطة به؛سواء على مستوى الدمج الإطاري، أو على مستوى الرواتب والتعويضات، وينضاف إليهم بعض عمال الدعم في بعض المؤسسات التربوية كالمعهد التربوي الوطني مثلا خاصة فئة المتعاونين في قطاع المطبعة والتي تعتبر القلب النابض للمعهد التربوي الوطني ويعتبر هؤلاء العمال على قلتهمحجر الزاوية في نشاطها الذي يتوج عادة بمرحلة طباعة الكتب ونشرها.

وأخيرا نُذكر بالمظلمة التي تعرض لها مديرو المعاهد التربوية الجهوية في رواتبهم التي يقدم لهم المعهد التربوي الوطني مقابل خدماتهم له، فمقدار هذه الرواتب منصوص عليه في المرسوم المنظم للمعهد التربوي الوطني الذي يحمل الرقم 106/93 الصادر سنة 1993 فهذا المرسوم ينص في المادة 16 على أن المدير الجهوي يتماثل من ناحية الاستفادة المادية مع رئيس القطاع بالمعهد التربوي الوطني، وهذا مالم يحصل منذ قرابة عقد من الزمن؛ بل الأدهى من ذلك أن المدير الجهوي في هذه اللحظة من سنة 2025 لا يحصل إلا على نسبة 42,68 إثنان وأربعون فاصل ثمانية وستون من أصل المبلغ المذكور، وهو تحديدا 10500 أوقية جديدة من أصل 24600 أوقية جديدة هذا دون العلاوات والخفايا التي يحصل عليها غير المديرين الجهويين، ويحرمون هم من أبسطها طيلة هذه السنوات؛ فمتى ستنكف هذه الغُمة؟ ومتى يزول هذا الظلم؟ وهل سيحل بهؤلاء ما حل بعمال شركة الكهرباء، وعمال الإعلام من عدالة وتسوية؟؟ نُعوِّل على إرادة الله سبحانه وتعالى أولا، وثقتنا كبيرة في إنصاف فخامة رئيس الجمهورية الذي بدأ هذه المأمورية الثانية برد المظالم وتسوية النزاعات؛ وكلنا ثقة أن معالي الوزير الأول ستكون له عين باصرة وتدخل مضيء تجسيدا للأمانة والثقة التي أوكله فخامة الرئيس إياها.. وما ضاع حق وراءه مطالب، ومهما طال الليل، سينجلي الصباح، وتشرق الشمس، وتطير العصافير.

 



 

 

j